وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُ كَانَ لِنَابُوت اليَزْرَ عِيلِي كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ بِجَانِبِ قَصْرِ أَخْآبَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. (كتاب الملوك الأول ٢١: ١-١٦)
حاجز اسرائيلي - كيف سيطرت
إسرائيل على منطقة بيت لحم?
تعرّضت حرّية تنقُل الفلسطينيّين في المناطق الواقعة غربيّ بيت لحم وفي جنوبها الغربيّ لتقييداتٍ مستمرّة على مرِّ السنوات. ولكن منذ السابع من تشرين الأول، تفاقمت هذه التقييدات وطُوِّرت تقنيًّا بشكل كبير. تُبرِز الخرائط التي اعددناها مواقع الحواجز والسدود التي نُصبَت في المنطقة، ممّا يزيد من تضييق الحركة على الفلسطينيين ويتيح لإسرائيل السيطرة على المزيد من الأراضي في المنطقة.
يتناول هذا البحث كيفيّة سيطرة إسرائيل على المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم وفي جنوبها الغربيّ. يُطلِق العديد من الإسرائيليّين على هذه المنطقة، خطأً، اسم "غوش عتصيون" وليس هذا صدفةً. منذ إنشاء مستوطنة كفار عتصيون (أول مستوطنة في الضفة الغربية) في أيلول 1967، قامت إسرائيل بتخصيص موارد هائلة لبناء المستوطنات والبنية التحتيّة في هذه المنطقة من الضفّة الغربيّة. إنّ الادّعاء الذي يهدف إلى توفير خطّ دفاع توعويّ خاصّ بالمستوطنات في هذه المنطقة (وهو أنّ هذه الأراضي كان يهود قد اشتروها قبل عام 1948 وطُردوا منها عام 1948، وأنّ الاستيطان فيها إنّما هو ممارسة "حقّ العودة" إليه)، والذي يحرص متحدّثون إسرائيليّون رسميّون وكثير من المستوطنين على تأكيده مرارًا وتكرارًا - هو ادّعاء كاذب. نهبت اسرائيل، في الواقع، كما أظهرنا هنا في الماضي، أكثر من 80٪ من الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات في هذه المنطقة بنفس الوسائل التي نهبت بها الأراضي في بقيّة أجزاء الضفّة الغربيّة منذ حزيران 1967.
بُدِئَ العمل على هذا المشروع قبل عدّة سنوات. وفي أعقاب المجزرة التي ارتكبتها حركة حماس في السابع من تشرين الأوّل عام 2023 والحرب التي نشأت بعدها، تأثّرت حرّيّة تنقُّل الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة بشكل جذريّ. وتجلّت هذه التغيُّرات بوضوح، وربّما بشكلٍ رئيس، في منطقة بيت لحم التي يسكنها عدد كبير من المستوطنين. إلا أنّه من الضروريّ التأكيد على أنّ الواقع الذي سيُوصَف هنا هو نتيجة لتخطيطٍ ولجهودٍ مبذولة منذ عقود بهدف الاستيلاء على الأراضي وطرد أصحابها منها، وهي جهود تكثّفت بشكل كبير وملحوظ منذ السابع من تشرين الأوّل.
سيرورة العمل
تضمّن العمل في هذا البحث رسم خرائط للحواجزوالسّدود والأنفاق التي نصبها وبناها الجيش الإسرائيليّ والمستوطنون في المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم، وذلك بغية مراقبة قدرة أصحاب الأراضي الفلسطينيّين على الوصول إلى أراضيهم وتقييدها، وحتّى منعهم في بعض الحالات من الوصول إليها بذريعة أمن المستوطنين والمستوطنات. تمّ تحديد جميع الحواجز والسدود التي وجدناها على خريطة جوجل الموجودة في أسفل الصفحة.
على الخريطة علامات بأربعة ألوان مختلفة:
أحمر - سُدود حجريّة مفتعَلة
أصفر: حواجز حديديّة (يبدو بعضها عسكريًّا بشكلٍ واضح، أمّا بعضها الآخر فنفترض أنّه من فعل المستوطنين دون أيّ سلطة رسميّة).
أزرق- بوّابات المستوطنات التي تُعيق قدرة الفلسطينيّين على الوصول إلى أراضيهم.
بنّيّ- أنفاق تحت الطرق الالتفافيّة التي شقّتها إسرائيل بهدف ربط القرى والسماح للفلسطينيّين بالوصول إلى أراضيهم (نفقان منها مغلقان حاليًّا، كما سنرى أدناه).
سدّ ترابيّ على طريق زراعيّ مؤدٍّ إلى أراضي قرية "الخضر" جنوب مستوطنة "إلعازر".
نتائج البحث
تتضّمن الخريطة 76 نقطة حسب التقسيم التالي:
-
5 أنفاقٍ تحت الطرق الالتفافيّة (نفقان منهما مغلقان).
-
11 حاجزًا أمام مستوطنات ومنطقة صناعيّة تُعيق، بشكلٍ مباشر، وصول الفلسطينيّين إلى أراضيهم الزراعيّة.
-
24 سدًّا حجريًّا مفتعَلًا.
-
36 حاجزًا حديديًّا.
نفق يربط قرية "الخضر" بأراضيها غربيّ طريق 60، وهو مغلق أمام المركبات والحيوانات بواسطة مكعّبات اسمنتيّة.
التغيّرات التي طرأت على المنطقة منذ السابع من تشرين الأوّل 2023
-
منذ السابع من تشرين الأوّل، تمّ نصب 21 حاجزًا وسدًّا إضافيًّا على طرقٍ زراعيّة، حتّى أصبح عددها اليوم 60 حاجزًا وسدًّا، ما يعني أنّ أكثر من ثُلث الحواجز والسدود في المنطقة قد نُصبت خلال الأشهر السبعة الأخيرة، أي منذ بداية الحرب على غزّة. لهذه الحواجز والسدود التي أُقيمت حديثًا في هذه المنطقة غرضان يتوافق أحدهما مع الآخر:
1. منع الفلسطينيّين من مغادرة القرى إلى الطرق الالتفافيّة.
2. سدّ الطرق المؤدية إلى المناطق الزراعيّة، وخاص~ة تلك الواقعة غربيّ طريق 60.
-
تمّ نقل أحد السدود (على طريق نحالين - بيت لحم) من موقعه الأصليّ إلى موقع جديد، وذلك للسماح لمستوطني "نيفي دانيال" بالسيطرة على منطقةٍ تقع غربيّ المستوطنة.
-
حاجز حديديّ نُقِل من مكانه وأُغلِق بالكامل شرقيّ البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة "سيدي بوعز"، وهو ممّا أتاح للمستوطنين السيطرة على مناطق إضافيّة حول البؤرة الاستيطانيّة.
-
حاجز حديديّ نُقِل من مكانه وأُغلِق بالكامل شرقيّ البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة "سيدي بوعز"، وهو ممّا أتاح للمستوطنين السيطرة على مناطق إضافيّة حول البؤرة الاستيطانيّة.
-
3 بوّابات (بوّابتان على الطرق المؤدّية إلى قرية "حوسان"، وواحدة جنوبيّ قرية "نحالين") تمّ إغلاقها بالكامل منذ السابع من تشرين الأوّل.
-
4 بّوابات، كان مزارعون فلسطينيّون يدخلون عبرها إلى أراضيهم المجاورة لمستوطنة "إفرات"، تمّ إغلاقها بالكامل أمامهم، والأراضي بقيت دون فلاحة منذ ذلك الحين.
بوّابة نُصبت في مكان جديد شرقيّ البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة "سيدي بوعز"
السدّ على طريق نحالين– بيت لحم في موقعه الحاليّ. على اليمين يمكن رؤية طريق ترابيّ غير قانونيّ شقّه مستوطنو "نيفي دانيال" مؤخّرًا.
أراضي سكّان قرية "الخضر" التي ابتُلعت داخل سياج مستوطنة "إفرات"، والتي لم يتمكّن أصحابها من فلاحتها منذ السابع من تشرين الأوّل.
حاجز عسكريّ على الطريق الجنوبيّ المؤدّي إلى قرية "نحالين" تمّ إغلاقه منذ السابع من تشرين الأوّل.
جيش أم مستوطنون؟ بالأحرى: ما هو الفرق؟
ليس بحوزتنا معلومات رسميّة تسمح لنا بتحديد ما إذا كانت معظم الحواجز والسدود قد نُصبت على يد الجيش أم على أيدي المستوطنين. ففي حال كانت قد نُصبت على أيدي المستوطنين، هل تمّ ذلك بالتنسيق مع الجيش أم لا؟ على أيّة حال، إن الغالبيّة العظمى من هذه الحواجز والسدود قد نُصبت في أماكن لم تصدر فيها أوامر عسكريّة (بحسب القانون العسكريّ، نصب الحواجز يجب أن يكون بأوامر تصدر عن الجيش). المثال الأوضح الذي يعكس هذا الأمر هو السدّ الذي فُرض منذ أكثر من عقدين من الزمن على الطريق الذي يمرّ جنوب مستوطنة "نيفي دانيال"، وهو، في الواقع، الطريق التاريخيّ الذي يربط قرية "نحالين" بمدينة بيت لحم منذ أجيال. تمّ سدّ هذا الطريق دون أيّ أمر عسكريّ، وذلك لمنع الفلسطينيّين من المرور بالقرب من المستوطنة (تمّ تغيير مسار حركة سكّان "نحالين" إلى بيت لحم منذ إغلاق الطريق المؤدّي إلى قرية "حوسان"). في هذه الحالة أيضًا، وعلى الرغم من اتّضاح حقيقة معرفة الجيش بهذا السدّ وإصراره على وجوده، إلّا أنّه لا يمكننا تحديد ما إذا كان السدّ قد نُصِب أساسًا على يد الجيش أم المستوطنين. في كلتا الحالتين، تتضرّر كثيرًا قدرة الفلسطينيّين على دخول مناطق واسعة آخذة في الازدياد مع مرور الوقت، بغضّ النظر عن الجهة التي قامت بنصب السدّ.
حدود المنطقة التي يتناولها البحث
يركّز هذا البحث على جزء من المنطقة الزراعيّة التاريخيّة الواقعة غربيّ بيت لحم. تسليط الضوء على هذا الجزء بالذات، الذي تبلغ مساحته نحو 75 ألف دونم (75 كيلومترًا مربّعًا)، يعكس حقيقة أنّ إسرائيل قد هندسته بشكلٍ عزلَهُ عن المنطقة المحيطة به، الأمر الذي يتطّلب، في رأينا، معالجته كمنطقة قائمة بحدّ ذاتها، حتى وإن كان إنشاؤها قد تمّ بوسائل مفتعلة، وباستخدام عنف مؤسّسيّ وغير مؤسّسيّ مستمرّ. الحدّ الشماليّ لهذه المنطقة هو منطقة نفوذ القدس بعد عام 1967، حدّها الغربيّ هو الخطّ الأخضر،حدّها الجنوبيّ هو طريق 367، أمّا حدّها الشرقيّ فهو طريق 60 (طريق بيت لحم الالتفافيّ) الذي أقيم على طوله جدار الفصل العنصريّ (الذي لم يكتمل بناؤه في هذه المنطقة) ومستوطنة "إفرات" الواقعة شرقيّ طريق 60.
بالإضافة إلى هذه القرى، هناك عدد من القرى والتجمّعات الفلسطينيّة التي يقع جزء كبير من أراضيها داخل هذه المنطقة، على الرغم من أنّ منطقة البناء الخاصّة بها تقع خارجها. أهمّ هذه القرى والتجمّعات التي نحن بصددها هي قرية الخضر (سنتوسّع في الحديث عنها لاحقًا)، التي اقتُطع منها حوالي 90% من أراضيها، في حين أنّ القرية نفسها تقع شرقيّ جدار الفصل العنصريّ. قرى أخرى يقع جزء من أراضيها داخل هذه المنطقة هي: أرطاس، بيت أُمّر، بيت جالا وصوريف.
مستوطنات وبُؤَر استيطانية
منذ أيلول 1967 وحتّى اليوم، أنشأت إسرائيل إحدى عشرة مستوطنة في هذه المنطقة بهدف تهويدها والحدّ من الوجود الفلسطينيّ الواسع الذي كان قائما هناك منذ أجيال. هذه المستوطنات هي: هار جيلو، بيتار عيليت، نيفي دانيال، إلعازر، إفرات، مجدال عوز، بات عين، روش تسوريم، ألون شفوت، كفار عتصيون وجبعوت (التي تعتبر رسميًّا حيًّا تابعًا ل"ألون شافوت" رغم كونها عملّيًا مستوطنة مستقّلة). بالإضافة إلى هذه المستوطنات، تمّ إنشاء اثنتي عشرة بؤرة استيطانّية، وتمّ شرعنة بعضها على مرّ السنين.
بحسب معطيات الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ، يبلغ عدد المستوطنين الذين يعيشون في هذه المنطقة حاليًّا 95 ألف مستوطِن تقريبًا، ما يعني أنّ إسرائيل قد نجحت في خلق واقع يصل فيه عدد المستوطنين، في هذه المنطقة من الضفّة الغربيّة، إلى ثلاثة أضعاف عدد الفلسطينيّين، على الرغم من أنّ إجمالي عدد المستوطنين في الضفّة الغربيّة يقلّ عن 20%. إنّ العامل الرئيس الذي يؤدّي إلى التفوُّق الديموغرافيّ للمستوطنين في هذه المنطقة هو عدد المستوطنين في مستوطنة "بيتار عيليت" المتزمّتة دينيًّا، والتي يبلغ عدد سكّانها حاليًّا حوالي 68 ألفًا. تعتبر جميع هذه المستوطنات تابعة للمجلس الإقليميّ "غوش عتصيون"، باستثناء المستوطنتَيْن "بيتار عيليت" المعرّفة كمدينة و"إفرات" المعرّفة كمجلس محليّ. بالإضافة إلى هذه المستوطنات، تمّ إنشاء اثنتي عشرة بؤرة استيطانيّة في المنطقة منذ أواخر التسعينات وحتّى اليوم، و تمّ شرعنة بعضها بأثرٍ رجعيّ. إلى جانب هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة، هناك أيضًا منطقة صناعيّة تابعة للمجلس الإقليميّ "غوش عتصيون"، وهي منطقة واقعة بين مستوطنتَي "إفرات" و"مجدال عوز".
أراضي قرية الخضر شرقيّ جدار الفصل العنصريّ المبنيّ على امتداد طريق 60 (شارع بيت لحم الالتفافيّ)
ومن المشاريع الكبرى الأخرى التي تعمل إسرائيل على الترويج لها في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة، هو شقّ طريق جديد (طريق 3742) يمتدّ حوالي ثمانية كيلومترات. يهدف هذا الطريق إلى ربط طريقيّ العرض الرئيسيين في المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم، والمؤديين غربًا باتجاه الخطّ الأخضر: طريق 375 وطريق 367. يدور الحديث عن طريقين التفافيّين شقّتهما إسرائيل لربط المستوطنات في هذه المنطقة بمنطقةِ بيت شيمش. قبل نحو ثلاث سنوات، علّق السياسيّ اليمينيّ المتطرّف ونائب وزير الدفاع السابق، إيلي بن دهان، على هذا المشروع قائلًا: "شارع 3742 من "جبعوت" إلى "بيتار"، هو شارع يفرضه الواقع، ومن المفترض أن يغلق الجزء الغربيّ لمنطقةِ "غوش عتصيون". في أيّار 2021، بدأت أعمال تحديد مسار الطريق المخطّط له في المنطقة، ولكن لم تتقدّم الأعمال منذ ذلك الحين. في نهاية عام 2022، أصدر الجيش أمر وضع اليد على هذه المنطقة، وكان يهدف ظاهريًا لبناء طريقٍ للدوريّات العسكرية، والذي من المفترض أن يتم شقّه في هذه المنطقة أيضًا.
كيف تمّ عزل المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم عن بقيّة مناطق الضفّة الغربيّة؟
لقد ساهم حدثان تاريخيّان رئيسان في عزل المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم عن بقيّة مناطق الضفّة الغربيّة خلال الأعوام الثلاثين الماضية. الحدث الأوّل هو توقيع اتفاقّيات أوسلو في الأعوام 1993-1995. نتيجةً لخروج الجيش الإسرائيليّ من بيت لحم، حيث يمرّ الطريق التاريخيّ الذي يربط القدس بجنوب الضفّة الغربيّة، تمّ إنشاء طريق التفافيّ (الطريق السريع 60) غربيّ بيت لحم وقرية الخضر، أي في المناطق التي صودرَت لهذا الغرض. ظلّ الطريق الذي شُقّ في الأساس لخدمة المستوطنين مفتوحًا، طوال معظم السنوات منذ إنشائه، لاستخدام السكان الفلسطينيّين أيضًا. شهد الطريق خلال السنوات القليلة الماضية توسيعًا كبيرًا ليصبح ذا أربعة مسارات. عملّيًا، كان شقّ هذا الطريق هو المرّة الأولى التي يتمّ فيها إنشاء حاجز فعليّ بين القرى والمجتمعات الفلسطينيّة في هذه المنطقة وبين جزء كبير من أراضيها. رغم إنشاء 3 أنفاق تحت الطريق كان من المفترض أن تسمح للمزارعين بالوصول إلى أراضيهم من الجهة الأخرى، إلا أن اثنين منها مغلقان لا يمكن المرور عبرهما.
في أعقاب الانتفاضة الثانية أواخر عام 2000، تمّ فرض قيود صارمة على حركة الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة. ظلّت معظم الطرق التي تربط القرى الفلسطينيّة والطرق الالتفافيّة مغلقة لعدّة سنوات، وتقلّصت حركة المركبات الفلسطينيّة على الطرق بين المدن في الضفّة الغربيّة بشكل كبير. في الوقت نفسه، أصبحت قدرة المزارعين الفلسطينيّين على الوصول إلى مناطق شاسعة حول المستوطنات محدودة للغاية، بل توقفت كلّيًّا.
في نيسان 2002، قرّرت الحكومة الإسرائيليّة بناء جدار الفصل العنصريّ. تبيّن فيما بعد أنّه كان من المُقرّر أن يتمّ بناء الجزء الأكبر من مسار هذا الجدار داخل أراضي الضفّة الغربيّة بطريقة تؤدّي عمليًّا إلى ضمّ أجزاء كبيرة من أراضيها إلى إسرائيل. لقد تمّ تخطيط مسار الجدار في منطقة بيت لحم بحيث تبقى جميع المستوطنات التي ذكرناها سابقًا واقعة غربيّ نظام السياجات والجدران التي بنتها إسرائيل في المنطقة. ورغم أنّ بناء الجدار في هذه المنطقة لم يكتمل، إلا أنّ الأجزاء التي تمّ بناؤها ساهمت بشكلٍ حاسمٍ في عزل المنطقة الواقعة غربيّ بيت لحم عن بقيّة مناطق الضفّة الغربيّة.
حاجز "النشاش" – المخرج الجنوبيّ لمدينة بيت لحم
نهب أراضي قرية الخضر
تقع قرية الخضر غربيّ الطريق التاريخيّ الذي يربط بين بيت لحم والخليل. تبلغ المساحة المبنية في القرية منذ عام 1995 ، حوالي 900 دونم (أي أقل من 5% من إجماليّ أراضي القرية)، وقد تمّ تقسيمها بالأساس بين المنطقة (أ) والمنطقة (ب). أمّا بقيّة أراضي القرية، فتقع في المنطقة (ج) التي يُحظَر على الفلسطينيّين البناء فيها، باستثناء حوالي 180 دونمًا تنطبق عليها المخطّطات الهيكليّة التي صادقت عليها الإدارة المدنيّة.
نظرًا لموقعها ومساحة أراضيها التي تبلغ حوالي 20 ألف دونم، استُهدِفت أراضي الخضر لتكثيف عمليّات النهب الواسعة خلال العقود الأربعة الماضية. كانت مستوطنة "إلعازر" المستوطنة الأولى التي بُنيت على أراضي القرية. من أجل بنائها، أصدر الجيش عام 1973 أمر وضع يد "مؤقّت" لـ"احتياجاتٍ أمنيّة" (أمر وضع اليد رقم 3/73). وفي عام 1979، أصدر الجيش أمرًا آخرَ من أجل بناء مستوطنة "إفرات" على أراضي الخضر أيضًا.
بعد صدور قرار المحكمة في التماس ألون موريه مطلع عام 1980، وهو الالتماس الذي اضطُرّت الحكومة على إثره إلى إخلاء مستوطنة "ألون موريه" بعد بنائها على أراضٍ خاصّة، بدأت إسرائيل بنهب الأراضي في الضفّة الغربيّة بواسطة إعلانها "أراضي دولة" في القرى التي لم يكتمل تسجيلها في الطابو حتى حزيران 1967 (وهذا الأمر ينطبق على حوالَي ثُلثَي مساحة الضفّة الغربيّة). منذ بداية الثمانينات وحتّى الوقت الحاليّ، تمّ الإعلان عن حوالي 2,700 دونم من أراضي قرية الخضر كـ"أراضي دولة". صودِرَت هذه الأراضي فعليًّا من سكّان القرية الفلسطينيّين، ونُقِل معظمها إلى المستوطنات: "إلعازر"، "إفرات" و"نيفي دانيال". بشكلٍ عام، خُصّصَ حوالي 3,100 دونم من أراضي قرية الخضر، رسميًّا، لهذه المستوطنات الثلاث، وهو ما يمثّل حوالَي 15% من أراضي القرية. بالإضافة إلى قناة نهب الأراضي الرسميّة في الضفّة الغربيّة، هناك أيضًا قناة نهب غير رسميّة نشطة، كما هو معروف، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على هذه المنطقة أيضًا.
راضي قرية الخضر الواقعة شرقيّ جدار الفصل العنصريّ على طريق 60 حيث يُسمح الدخول إليها
إنشاء بُؤَر استيطانيّة على أراضي قرية الخضر – قناة النهب غير الرسميّة
في السنوات التي تلت توقيع اتفاقيّة أوسلو الثانية (أيلول 1995)، بدأ مستوطنون يُنشؤون بؤر استيطانيّة غير قانونيّة بهدف السيطرة على الأراضي المحيطة بالمستوطنات. بعد تشكيل حكومة نتنياهو الأولى في حزيران 1996، شجّع وزراء الحكومة المستوطنين على إقامة عشرات البؤر الاستيطانيّة الجديدة. كانت "جفعات هدَجان" إحدى البؤر الاستيطانيّة غير القانونيّة التي أُقيمت في أواخر التسعينات على تلّةٍ كانت في ذلك الوقت تبعد أكثر من كيلومتر عن الحدود الشماليّة لمستوطنة "إفرات". بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، أُنشِئت ثلاث مستوطنات إضافيّة على أراضي قرية الخضر: "ديرِخ هأفوت" شماليّ مستوطنة "إلعازر"، "سيدي بوعز" شماليّ مستوطنة "نيفي دانيال" و"جفعات هتامار" شماليّ مستوطنة "إفرات". على مرّ السنين، نشأ حول كلٍّ من هذه المستوطنات طوق من الأراضي الزراعيّة التي كانت ملكًا خاصًّا لسكان قرية الخضر، إذ أصبح الوصول إليها محدودًا أو حتّى مستحيلًا. بعد مرور عقدين من الزمن، وفي عام 2021 بالتحديد، أُنشِئت بؤرة استيطانيّة أخرى، ، هي الخامسة من حيث العدد، على أراضي الخضر تدعى "حفات عيدن". وعلى عكس المستوطنات الأخرى، أُنشِئت هذه البؤرة الاستيطانيّة كمزرعةٍ استيطانيّة، دورها الأساسيّ كان، منذ البداية، السيطرة على المناطق الزراعيّة المفتوحة المحيطة بها.
البؤرة الاستيطانيّة "حفات عيدن"
البؤرة الاستيطانيّة "ديرِخ هأفوت"
في نهاية عام 2001، أقيمت البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة "ديرِخ هأفوت" شماليّ مستوطنة "إلعازر". تصدّرت هذه البؤرة الاستيطانيّة العناوين الرئيسة بعد سلسلة من الالتماسات التي قدّمها أصحاب الأراضي التي بُنِيت البؤرة عليها إلى المحكمة العليا. في عام 2018، تمّ إخلاء بعض المنازل في البؤرة الاستيطانيّة بعد قرار الحكومة بشرعنتها بأثرٍ رجعيّ. وعلى الرغم من عمليّةِ الإخلاء الجزئيّ، بقيت مناطق زراعيّة واسعة داخل المستوطنة وحولها غيرَ متاحة لوصول أصحابها إليها، ولا تزال البؤرة الاستيطانيّة تُشكّل مصدرًا لانتشار العنف ومحاولة الاستيلاء الإجراميّ على الأراضي في المنطقة.
البؤر الاستيطانيّة "سيدي بوعز"
هناك بؤرة أخرى تُعتبر مصدرًا للاستيلاء العنيف على الأراضي في هذه المنطقة، وهي البؤرة الاستيطانيّة غير القانونيّة "سيدي بوعز"، التي أُنشِئت عام 2002 على بعد حوالي 1.5 كيلومتر شمالّ مستوطنة "نيفي دانيال" وفي قلب منطقة زراعيّة مزروعة بشكلٍ ممتاز. تُعدّ هذه البؤرة الاستيطانيّة واحدة من عشر بؤر استيطانيّة أعلنت الحكومة الحاليّة في شباط 2023 عن عزمها "شرعنتها"، وتعتبر العامل الرئيس الذي يُثير العنف الهادف إلى تهجير الفلسطينيّين من أراضيهم في المنطقة الممتدّة بين مستوطنة "نيفي دانيال" والطريق السريع 375. منذ السابع من تشرين الأوّل، بُدئَ بمنع الفلسطينيّين من الدخول إلى هذه المنطقة التي تمتدّ على مساحة تزيد عن 3,000 دونم، وذلك بواسطة عدّة سدود نُصبت على طول شارع 60 وأيضًا في اتّجاه قرية "حوسان".
إغلاق الطريق الزراعيّ الموصل بين قرية "حوسان" والأراضي الزراعيّة التي يُمنع مستوطنو البؤرة الاستيطانيّة "سيدي بوعز" من الوصول إليها.
في الأسابيع الأخيرة، تمّ الترويج لخطّة الاستيلاء على هذه المنطقة من قبل مستوطني البؤرة الاستيطانيّة "سيدي بوعز" ، وذلك من خلال تعزيز مشروع يُعرف بـ "سبيل مطوّق سيدي بوعز". الهدف من ذلك هو تعزيز عمليّة السيطرة على المنطقة الواقعة شماليّ البؤرة الاستيطانيّة. لم يكن التوقيت مجرّد صدفة، بل كان القصد من ذلك استغلال الغياب القسريّ لأصحاب الأراضي الفلسطينيّين عن المنطقة، كما حدث في المنطقة الممتدّة بين البؤرة الاستيطانيّة ومستوطنة "نيفي دانيال".
لافتة تشير إلى مدخل "سبيل مطوّق سيدي بوعز"
إنشاء البؤرة الاستيطانيّة "سيدي بوعز" في قلب منطقة زراعيّة خصبة تابعة لسكّان قريتَي الخضر وحوسان
قطعة أرض قام مستوطنون من البؤرة الاستيطانيّة "سيدي بوعز" بزراعة كرم عنب عليها
سيطرة مستوطنين على قطعة أرض طُرد منها سكّان قرية الخضر الفلسطينيّين بعد إقامة البؤرة الاستيطانيّة عام 2002