| |
وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُم ُورِ أَنَّهُ كَانَ لِنَابُوت اليَزْرَ عِيلِي كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ بِجَانِبِ قَصْرِ أَخْآبَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. (كتاب الملوك الأول ٢١: ١-١٦)
كِرِم نابوت
اكثر من
٤٠٪
من الزراعة الاسرائيلية تُنفذ على آراضي فلسطينية خاصة
النقاط الأَساسية
الزراعة الاسرائيليّة في الضفّة الغربيّة/ تشرين أول 2013
الهدف من إعداد هذا التقرير هو إضافة مستوى آخر إلى النقاش الدائر حول المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية. غالبًا ما يركّز هذا النقاش على مواضيع مثل بناء الأحياء الجديدة في المستوطنات، إقامة البؤر الاستيطانيّة، النمو الديموغرافيّ لدى المستوطنين، الامتيازات التي يحظون بها وأعمال العنف التي يقومون بها. أمّا مناقشة المشاريع الزراعية التي يرعاها الإسرائيليون في الضفة الغربية، فعادةً ما تجري في سياق الإشراف على الصادرات الزراعية التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية وتصنيفها. يُعتبر ذلك أداة مهمة من أدوات التأثير في السياسات المتّصلة بالعواقب الاقتصادية التي تخلّفها المشاريع الزراعية التي ينفّذها المستوطنون الإسرائيليون في هذه المنطقة. ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن العواقب الإقليمية بعيدة المدى التي تتركها هذه الظاهرة على الضفة الغربية وسكانها، ولا عن دلالاتها الإنسانية وعلى احتمال بناء دولة فلسطينية ذات مجتمع فلسطيني فاعل.
لقد شهدت العقود المنصرمة انخفاضًا بنحو الثلث في المساحات الزراعية التي يزرعها الفلسطينيون في الضفة الغربية. في هذا الصدد، يشير المسح إلى أن أحد العوامل التي تقف وراء هذا التراجع الهائل الذي طرأ على مساحة الأراضي الزراعية المُعتنى بها من قِبَل الفلسطينيين في الضفة الغربية، هو التوسع الآخذ بالازدياد في الأراضي الزراعية التي يديرها الإسرائيليون. وينطوي هذا التوسع على الاستيلاء، بحكم الأمر الواقع، على الأراضي الخاصة التي كان يعتني بها أصحابها الفلسطينيون، وذلك بعد طردهم منها (سواء أكانوا أفرادًا أم تجمعات سكانية بأكملها)، إمّا من قِبَل المستوطنين أو من قِبَل السلطات العسكرية الإسرائيلية.
تُشكّل الأراضي الزراعية التي تُسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية، والتي تزيد مساحتها اليوم على 93 ألف دونم (وهي مساحة تفوق إجماليّ المناطق المأهولة في المستوطنات بنحو مرة ونصف، دون احتساب القدس الشرقية)، عاملًا محوريًا تستخدمه السلطات الإسرائيلية باستمرار ضمن وسائلها المختلفة التي تعتمدها لمصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتخصيصها لاستخدام الإسرائيليين على مدى العقود التي تلت العام 1967. منذ العام 1997، استولى المستوطنون على ما يزيد عن 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، من خلال النشاطات الزراعية التي يقومون بتنفيذها؛ مساحة 10 آلاف دونم من هذه الأراضي هي أراضٍ خاصة يملكها سكان فلسطينيون، ومعظمها تقع في المناطق المحيطة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية المقامة على تلال الضفة الغربية.
يُظهر التقرير بوضوح أن أسرع نمو نسبيّ في مساحة الأراضي الزراعية التي يديرها المستوطنون الإسرائيليون في جميع أنحاء الضفة الغربية تركز بالأساس حول المستوطنات "المتطرفة" على طول المنطقة الجبلية. لم تشهد هذه المستوطنات خلال العقود الأولى من إنشائها قدرًا كبيرًا من النشاطات الزراعية المُمَأسسة المهمّة. ونتيجة لذلك، انخفضت الحصة النسبية للزراعة في غور الأردن وشماليّ البحر الميت، حيث تمت حوالي 92% من الزراعة الإسرائيلية في الضفة الغربية حتى عام 1997، لتصل حاليًا إلى 85%.
كما يُظهر هذا المسح أن هناك علاقة واضحة بين طابع السكان في المستوطنة ونسبة الأراضي الفلسطينية الخاصة الواقعة خارج الحدود الرسمية للمستوطنة التي استولى عليها المستوطنون المحيطون بتلك المستوطنة لأغراض زراعية، بالأساس لزراعة كروم العنب وحقول الزيتون (التي يعتبر المناخ الجبلي مثاليًا لها). يتضح إذًا أن السكان المتدينين في المستوطنات الواقعة في المنطقة الجبلية، الذين ينتمي معظمهم إلى اليمين المتطرف، هم من يقفون وراء معظم عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة الواقعة خارج نطاق النفوذ الرسمي للمستوطنات في الضفة الغربية. تتوافق هذه النتيجة مع المعلومات التي نعرفها عن الأنماط والأساليب التي ينتهجها هؤلاء المستوطنون المتطرفون، وكذلك في جوانب أخرى من الاستيلاء والسيطرة على الأراضي.
إضافةً إلى ذلك، هناك منطقة أخرى تشهد استيلاء على الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة، وهي المنطقة الحدودية الواقعة بين منطقة الأغوار والمملكة الأردنية الهاشمية، الخاضعة للإغلاق بموجب الأمر العسكري رقم (151) مع فرض حظر تام على دخول الفلسطينيين سكان الضفة الغربية إليها. في هذه المنطقة، تم تطويق حوالي 170 ألف دونم من الأراضي العامة والخاصة، حيث سمحت إسرائيل للمستوطنين بالاستيلاء على الآلاف منها، لغايات زراعة التمور بشكل أساسي. تعتمد هذه الظاهرة، التي تشهد تسارعًا محمومًا في كل عام، على البنية التحتية المائية التي أنشأتها إسرائيل في منطقة الأغوار، حيث يتم نقل المياه المعالَجة (مياه الصرف الصحي المعالَجة، ولا سيما من القدس الشرقية) واستخدامها في ريّ المحاصيل الزراعية الإسرائيلية في المنطقة.
يجدر التذكير أن جانبًا لا يستهان به من التوسع الذي تشهده المساحات الزراعية فيما يدعى الأراضي "العامة" (وهي الأراضي التي أعلنتها إسرائيل "أراضي دولة" أو تلك التي كانت مسجلة تحت هذا التعريف قبل العام ١٩٦٧) يُعتبر غير قانونيّ، ليس بموجب أحكام القانون الدولي فحسب، بل وفقًا للسلطات الإسرائيلية أيضًا، لأنه تم دون تخصيص هذه الأراضي للمستوطنات فعليًا ودون الحصول على تراخيص رسمية لزراعتها.
يُشكّل النشاط الزراعيّ الإسرائيلي الذي لا تهدأ وتيرته جزءًا من إستراتيجية شاملة ومتعددة المحاور، تحظى بتمويل معتبر، ويطوّرها المستوطنون بدعمٍ وإسنادٍ تامّين من قِبل الدولة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وقد ازدادت وتيرتهما منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. إنّ الهدف المعلن الذي تسعى هذه الإستراتيجية إلى تحقيقه يتمثّل في توسيع المساحات التي تقع تحت سيطرة المستوطنات في المنطقة (ج)، والحيلولة دون نقل ملكية الأراضي إلى المواطنين الفلسطينيين في المستقبل. وتشتمل الوسائل الرئيسية الأخرى التي يوظفها المستوطنون لتحقيق هذه الأهداف على إقامة بؤر استيطانية جديدة، شقّ طرق جديدة حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية، إقامة شبكات البُنى التحتية حول المواقع التي تكتسب قيمة دينية أو أثرية، أو في المناطق التي تزخر بمناظر طبيعية خلابة، بالإضافة إلى إنشاء "المناطق الصناعية" الكبرى.
إنّ مسؤولية دولة إسرائيل نحو هذه الظاهرة التي يتناولها هذا التقرير - والتي لا يمكن وصفها إلا على أنها "استيلاء بالجملة على أراضي الضفة الغربية لصالح النشاطات الزراعية الإسرائيلية" - لا تقتصر فقط على تمويل وتنظيم الإجراءات المتعمّدة بهدف توسيع مساحة الأراضي الزراعية التي يهيمن عليها المستوطنون. بل تكمن مسؤولية إسرائيل الرئيسية أيضًا في التغطية العسكرية والدعم اليومي الذي توفره لهذه النشاطات، بالإضافة الى غياب إنفاذ القانون على المستوطنين الذين يتسللون إلى الأراضي الفلسطينية ويستولون عليها ويعتدون على المزارعين الفلسطينيين، وذلك في انتهاك صارخ حتى للقوانين الإسرائيلية.
تبرز من هذا التقرير نتيجة واضحة: إن قضية السيطرة على الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها بصورة غير قانونية لمصلحة النشاطات الزراعية الإسرائيلية في الضفة الغربية، تشكّل مظهرًا آخر من مظاهر تفتت إنفاذ القانون في هذه المنطقة. ولم يأت هذا التفتت من باب المصادفة، بل تكمن وراءه أسباب ثابتة وواضحة، تجد موطئ قدم لها في جميع أنحاء الضفة الغربية: التضحية بسيادة القانون من أجل تحقيق المصالح الإقليمية التي ينطوي عليها المشروع الاستيطاني.
ومن أجل هذه الغاية، لا تزال دولة إسرائيل تنفذ إجراءاتها في قناتين متوازيتين: القناة الرّسمية، والتي تعمل من خلالها على السيطرة على آلاف الدونمات من الأراضي في الضفة الغربية، من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، ونزعها من أصحابها الفلسطينيين ونقل ملكيتها إلى المستوطنات عن طريق الإدارة المدنية. والقناة غير الرّسمية التي تعمل الدولة من خلالها على تشجيع المستوطنين على الاستيلاء على آلاف الدونمات من الأراضي الخاصة التي تعود ملكيتها لأفراد فلسطينيين، وتمويل هذا الفعل وتنظيمه - في الحالات التي لا يستطيع فيها المستوطنون على الحصول على هذه الأراضي - من خلال القنوات الرسمية.